تكاد الفرصة الرابعة أن تضيع وتفلت من بين يدي الإسلاميين بعد أن ظفروا بها وتمكنوا منها.. وأزعم أن أهم الأسباب في ضياع هذه الفرصة هو الفشل في كسب الأصدقاء والنجاح في صنع الأعداء بل وتجميعهم في بوتقة واحدة ولم يكن ليجتمعوا فيها لولا خطاب الاستعلاء والاستعداء الذي تحدث به البعض وازدادت نبرته في الفترة الأخيرة.
فقد نجحنا في استعداء وتجميع المعارضين رغم أنهم من تيارات متباينة لم تتجمع أو تتوحد أبدا ً وكان معظمهم يؤيدوننا ويتوحدون مع الإسلاميين في بداية الثورة .. ونجحنا في استعداء القضاة.. حينما وصفنا القضاء جميعا ً بالفاسد والفساد .. مع أن القرآن حينما تحدث عن خصومه من أهل الكتاب قال " ليسوا سواءً" .. حتى الشرفاء منهم بالغنا في إحراجهم والضغط عليهم وإهانتهم بمليونية تطهير القضاء وتهديد بعضنا بمحاصرة بيوت القضاة حتى بكى أحد شرفائهم من أجل هذه الكلمة .. ونسينا أن القضاة كان يمكن كسبهم بأيسر سبيل كما قال لي أحد نواب رئيس محكمة النقض: "لو جاء الرئيس إلي مجلس القضاء الأعلى وجلس معهم في بيتهم لوضعوا جميعا ً يدهم في يده".
ونجحنا في استعداء الإعلاميين حتى الذين كانوا مع الرئيس وأيدوه في حملته الانتخابية .. ونسينا قولة كلينتون " لا تعادي صحفيا ً لأنه سيشتمك ولن تستطيع أن تفعل له شيئا ً".. وقد حول كلينتون خصومه الإعلاميين إلي أصدقاء .
ونجحنا في استعداء الأزهر وشيخه وعلمائه .. فضلا ً عن دعوات تغيير المناهج الأزهرية إلي مناهج أخرى تناسب الحركة الإسلامية الصاعدة .. مع أن الأولى أن يبقى الأزهر دوما ً بعيدا ً عن السلطة لا تابعا ً لها ولا معاديا ً لها .. وألا يتدخل في أي صراع سياسي يدمره تدميرا ً ويحجزه عن الكثير من مواقع تأثيره.
كان يمكننا كسب شيخ الأزهر وعلمائه باحترامهم وتقديرهم وليس إقصاؤهم وتهميشهم لصالح دعاة الحركة الإسلامية الذين هم أقل منهم علما ً وفقها ً .. فضلا ً عن تحيزهم لجماعاتهم وهذه سلبية في الداعية والعالم وليس إيجابية.
وكانت هناك حالة استعداء جماعية للمثقفين المصريين رغم اتفاق الجميع علي حاجة وزارة الثقافة بالذات إلي إصلاح وتطهير .. فالإصلاح يحتاج إلي رجل من القوم طاهر اليد نقي الفؤاد يستطيع بالسياسة والتدرج الإبقاء علي الصالحين وعزل الفاسدين تدريجيا ً في إطار مشروع جيد يقنع الجميع أننا نريد الإصلاح وليس إلغاء الآخر أو الحجر عليه.
كان يمكن أن نفعل ذلك مع سفراء الخارجية فلا نجعل أحد يقودها من خارجهم .. ولا نفرض عليهم من ليس منهم ومن لا يعرفهم ليقودهم من خلف ستار دون أدنى مبرر... فليس من الحكمة أن نعادي سفراء مكثوا في عملهم سنوات طويلة واكتسبوا خبرات متعددة.
لا داعي لتخوين كل الناس .. فالأصل في الإنسان براءة الذمة كما يقول الفقه الإسلامي.. والأصل فيه الأمانة حتى تثبت العكس وقد استعان بمسيحي في أخطر رحلة في حياته وهي الهجرة.
وقد جاء عبد الناصر واستعمل سفراء من أيام الملك وخاض بهم معاركه السياسية المختلفة.. واستعان السادات بسفراء ناصر وكانوا مخلصين له .. فالمصري مخلص بطبعه لمن يستعمله إذا شعر فيه الإخلاص والحنكة والدراية.
كان يمكننا ألا نجر المسيحيين إلي عداوتنا ولكن البعض أصر في الفترة الأخيرة علي تهديدهم ووعيدهم في خطابهم دون أدني مبرر.
كما أننا أدخلنا الدولة المصرية في حرب غير مبررة مع الشيعة .. فكان يمكن للدعاة أن يردوا علي الشيعة فكريا ً ولكن لا يحملوا الدولة والرئاسة عداوة 100 مليون شيعي .. نختلف معهم كدعاة .. ولكن الدول لا تعادي شعوبا حتى وإن اختلفوا معها فكريا ً أو دينيا ً .. يمكننا أن نختلف مع حكومات زائلة ومتغيرة.. يمكن مثلا ً أن تهاجم الحكومة الأمريكية ولكن لا تهاجم الشعب الأمريكي حتى لو اختلفت معه دينيا ً وعقائديا ً.. وخاصة إذا حدث ذلك في حضرة الرئيس .
كان يمكن أن نكسب الجميع بخطاب التواضع والتسامح الذي يكسر العداوات ويخلق المودات.. ولكن خطاب الاستعداء أفقدنا معظم الأصدقاء..وخاصة أننا لم نستطع أن نقدم للشعب المصري شيئا ً علي الأرض .. فكان يمكن أن نقدم له الكلمة الطيبة لعله يسامحنا علي تقصيرنا في الاقتصاد والأمن والسياحة والصناعة.
كتب قبل مغادرة الرئيس مرسي للحكم
نشر في المصري اليوم
السبت الموافق:
27شعبان 1434هـ
6-7-2013م